خالدي | الحبشة
بدأت قصة القهوة في القرن التاسع بعد الميلاد. في إثيوبيا كافا، لاحظ راعي للغنم يُدعى خالدي أنه عندما كانت أغنامه تأكل الكرزات الحمراء لشجيرة معينة، بأنها تصبح نشطة للغاية.
فأخذ كرزات من الشجرة إلى إحدى دور العبادة في القرية. ولكن الراهب اعتبر ان الكرزات هي "عمل الشيطان"، وألقى بها في النار. حينها انطلقت رائحة غنية و زكية و بدأت تملأ أرجاء الغرفة.
فلم يكن أمام الراهب خياراً سوى استعادة الكرزات من النار وصب الماء الساخن عليها للحفاظ على الرائحة. و عندما شربوا هذا المزيج، شعروا بالنشاط والدفء. وسرعان ما انتشر هذا المشروب المنشط بين الرهبان، حيث سمحت آثاره لهم بالبقاء يقظين لفترات أطول من الوقت.
على الرغم من أن الأصل الحقيقي للقهوة لا يزال موضع نقاش وأن أصالة قصة خالدي لا تزال موضع شك، فلا يمكن إنكار أن اسم خالدي قد دخل التاريخ في عالم القهوة.
اليمن
يمكن أن ينسب الفضل في جلب القهوة إلى العالم إلى اليمن! ويعزى اكتشاف هذا المشروب الحبيب إلى ثلاثة رجال هم علي بن عمر الشاذلي، محمد الذَّبحاني وأبو بكر العيدروس.
علي بن عمر الشاذلي
هو عالم دين وشيخ متصوف من أبرز العلماء الذين سكنوا مدينة المخا في اليمن. كان لا ينام الليل، ويأمر أصحابه بذلك، وكان يأمرهم بشرب القهوة، ليستعينوا بها على السهر و قيام الليل.
يتفق العديد من المؤرخين على أن الشاذلي كان أول من اكتشف القهوة. هناك أدلة تشير إلى أنه قام برحلات إلى الحبشة، ومع ذلك، فإن الترجمات السابقة لأعماله لم تذكر أي شيء متعلق بالقهوة. ولكن، كتاب عبد الرحمن بن محمد العيدروس "أيناس الصفوة في أنفاس القهوة" نقطة محورية في تعميق معرفتنا بعلي بن عمر الشاذلي حيث أقر بمساهمته في اكتشاف القهوة.
محمد بن سعيد الذَّبحاني
ثاني الثلاثة هو فقيه صوفي يدعى محمد بن سعيد الذَّبحاني. على الرغم من وجود إشارات موجزة إليه في بعض الكتب، إلا أنه لم يُعرف شيئاً عن دوره في هذا الاكتشاف إلا بعد مرور أكثر من مائة عام عندما نسب إليه العالم عبد القادر بن محمد الجزيري الفضل في اكتشاف القهوة و جلبها من الحبشة.
أبو بكر عبدالله العيدروس
الرجل الثالث المنسوب لاكتشاف القهوة هو أبو بكر عبدالله العيدروس، وهو فقيه صوفي توفي عام 914 ه. وُلِد العيدروس في اليمن، ويُشاع أنه كان أول شخص يتعرف على الخصائص المنشطة والمحفزة لحبوب البٌن، ومنذ ذلك الحين اشتهر على نطاق واسع في شبه الجزيرة العربية باعتباره الأب الروحي للقهوة وراعيها. ولكن دوره كأحد الثلاثة المسؤولين عن تقديم هذا المشروب لا يزال يتردد صداه حتى اليوم.
اليمن
شقت القهوة طريقها من إثيوبيا إلى اليمن، حيث تمت زراعتها ومعالجتها لأول مرة في القرن الخامس عشر. أصبحت مدينة المخا الساحلية مركزاً لتجارة البن، حيث قام التجار بتصدير حبوب البن إلى أجزاء أخرى من شبه الجزيرة العربية وفي النهاية إلى الإمبراطورية العثمانية. في اليمن، أصبحت القهوة جزءاً أساسياً من النسيج الاجتماعي، حيث ظهرت المقاهي كأماكن للتجمع ومناقشة الأحداث الجارية و وتبادل الأفكار.
لعب التجار اليمنيون و الصوفيون دورا مهماً في إنتشار القهوة في جميع أنحاء العالم الإسلامي. اكتشف الصوفيين أن القهوة تساعدهم على الإستيقاظ في الليل للصلاة، فأخذوا معهم القهوة أثناء سفرهم إلى مناطق مختلفة. أدى ذلك إلى إنشاء مقاهي في مدن مثل مكة، القاهرة، اسطنبول و دمشق.
جعل الموقع الجغرافي لليمن وخبرتها في زراعة البن مركزاً لتجارة القهوة، مما زاد من نفوذها في نشر القهوة في جميع أنحاء العالم. طور التجار اليمنيون شبكات تجارية قوية سمحت لهم بتصدير القهوة إلى مناطق أخرى، وسرعان ما أصبحت القهوة سلعة مرغوبة. أدى نجاح تجارة البن في اليمن أيضاً إلى تطوير سلالات جديدة من القهوة، والتي تمت زراعتها على المرتفعات الجبلية في اليمن.
هولندا
في القرن السابع عشر، لعبت شركة الهند الشرقية الهولندية، التي كانت تسيطر على طرق التجارة بين أوروبا وآسيا، دوراً مهماً في إنتشار القهوة. كان الهولنديون من بين أوائل الأوروبيين الذين اعتنقوا القهوة، وأنشأوا المقاهي في المدن الكبرى مثل أمستردام. تمكن التجار الهولنديون من الحصول على شتلات البن من المخا، اليمن، وبدأوا في زراعتها في محميات في هولندا.
أنشأ الهولنديون لاحقاً مزارع للبن في مستعمراتهم، لا سيما في سيلان (سريلانكا حالياً) وجاوة (إندونيسيا حالياً). بحلول القرن الثامن عشر، أصبح الهولنديون أكبر موردي القهوة في أوروبا، متجاوزين بذلك الإحتكار العربي لتجارة البن. ساهم نجاحهم في زراعة القهوة وتداولها في الانتشار السريع للقهوة عبر القارة الأوروبية.
يعود الفضل في تطوير صناعة القهوة الفرنسية إلى الهولنديين أيضاً. في منتصف القرن الثامن عشر، أدخل الهولنديون القهوة إلى مستعمراتهم في منطقة البحر الكاريبي. تبنى الفرنسيون فيما بعد تقنيات زراعة البن من الهولنديين، مما ساعدهم على إنشاء مزارع ناجحة في مستعمراتهم الكاريبية.
الهند
غالباً ما يُعزى انتشار القهوة إلى الهند إلى شخصية أسطورية تُدعى بابا بودان، وفقا للأسطورة، قام بابا بودان بتهريب سبع حبات قهوة من اليمن، وزرعها في تلال شيكماغالور، في ولاية كارناتاكا الهندية حالياً. كان هذا بمثابة بداية زراعة البن في الهند، حيث تُعرف المنطقة الآن باسم تلال بابا بودان.
فرنسا
ساهم الفرنسيون أيضاً بشكل كبير في انتشار القهوة في أمريكا الوسطى و الجنوبية. في عام 1723، قيل إن غابرييل دي كليو، ضابط في البحرية الفرنسية، هرَّب شتلة بن من الحديقة النباتية الملكية في باريس إلى جزيرة مارتينيك.
يُعتقد أن شتلة القهوة تلك هي الأصل للملايين من أشجار القهوة التي تزدهر الآن في منطقة أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية.
تاريخ القهوة هو حكاية آسرة تمتد عبر القارات والثقافات والزمن. خلال رحلتها، تجاوزت القهوة الحدود وجمعت الناس.
غذت القهوة محادثات لا حصر لها، وألهمت الكثير للإبداع، ودفعت عجلة الإبتكار بطرق شَّكلت عالمنا الحديث.
وبإعتبارها العمود الفقري للعديد من الإقتصادات، لعبت القهوة دوراً حاسماً في تنمية العديد من الدول و حققت سبل العيش للملايين من الأشخاص المنخرطين في زراعتها، معالجتها وتجارتها.
بينما نتطلع إلى المستقبل، فإن قصة القهوة لم تنته بعد. مع استمرار نمو الطلب العالمي على القهوة وظهور ممارسات زراعية جديدة ومستدامة، سيستمر إرث القهوة كمشروب عزيز و لذيذ في الازدهار.
コメント